مذكرات التوقيف الفرنسية والأثر الملحوظ على تعويم النظام

جريمة ضد الإنسانية، كانت أساس مذكرة التوقيف:

في سابقة تاريخية على المستوى القضائي، أصدر القضاء الفرنسي تاريخ الخامس عشر من شهر نوفمبر من العام الجاري، مذكرة توقيف بحق مسؤولين سوريين على رأسهم بشار الأسد، وذلك إستناداً لشكاوى من منظمات سورية تتعلق بتورط النظام السوري بالهجمات الكيماوية في شهر آب عام 2013، والتي تم تنفيذها في منطقة الغوطة الشرقية في ريف دمشق، حيث وبناءاً على الشكوى المرفوعة أمام القضاء الفرنسي، أجرت الوحدة المتخصصة في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التابعة لمحكمة باريس القضائية، على مدى ما يقارب ثلاثة سنوات، تحقيقات مطولة، خلصت فيها إلى نتيجة، أكدت فيها أن الأدلة كافية لتورط مسؤولي النظام السوري في هذه الهجمات، وبناءاً عليه، تم إصدار مذكرة توقيف بحق أربع شخصيات سورية تعمل ضمن النظام الحاكم في دمشق، على رأسها بشار الأسد وشقيقه ماهر قائد الفرقة الرابعة في الجيش السوري.

سابقة قانونية على المستوى الدولي عنوانها سوريا:

تعتبر مذكرة الإعتقال الصادرة من القانون الفرنسي، هي سابقة قانونية، يمكن وصفها على أنها جزء من الخطوات القانونية الفرنسية الجريئة على المستوى القانوني، فإصدار محكمة وطنية فرنسية مذكرة إعتقال بحق رئيس دولة أخرى، ليس مجرد مذكرة ستحفظها الأدراج، بل كانت المذكرة بمثابة رسالة واضحة للمجتمع الدولي، مفادها أن الإعتبارات القانونية الدولية، ليست محصورة بحدود دولة ما، لطالما أنها إعتبارات قانونية يفرضها الواجب الإنساني من جهة، والإتفاقيات الدولية من جهة ثانية، وبغض النظر عن المآلات التي ستلحق بالقضية في المستقبل، إلا أن هذه المآلات قد تكون محاطة بعوامل ذات طبيعة سياسية إذا نظرنا إلى السياسة الخارجية الفرنسية التي تقوم بشكل أساسي على مسار العمل السياسي الذي يتعلق بالملف السوري، لكن ومن وجهة نظر قانونية، فإن هكذا مذكرة لم يعد بالإمكان التغاضي عنها في المستقبل، سيما أنها كانت بمثابة مفتاح لصندوق من المذكرات التي قد تصدر ضد النظام السوري بجهود المنظمات السورية والدولية التي تدافع عن حقوق الإنسان.

الإحراج السياسي، والإتفاقيات الثنائية، بوابة لتحجيم بشار الأسد ونظامه:

منذ عدة أشهر وبعد أن تمت دعوة النظام السوري بشخص بشار الأسد، لحضور قمة المناخ المقامة في دولة الإمارات العربية المتحدة في بداية الشهر 12 من العام الجاري، كانت كل الترجيحات تؤكد حضور بشار الأسد القمة، في ظل سعيه لإعادة تعويم نفسه في المجتمع الدولي، وهذا ما أكدته كافة المؤشرات، التي أظهرت النظام السوري المتعطش لحضور المناسبات الدولية.

لكن وبعد صدور مذكرة الإعتقال الفرنسية، كان هناك عاملين إثنين يجب أخذهما بعين الإعتبار، وهما الإتفاقيات الثنائية الفرنسية الإماراتية التي تتعلق بتسليم المجرمين، أما الإعتبار الثاني، فيتعلق بكون رئاسة الأنتربول حالياً هي بيد شخصية إماراتية نجحت في الوصول إلى قيادة ملف الإنتربول.

ولو فرضنا أن السلطات الفرنسية لم تشارك مذكرة الإعتقال مع السلطات الإماراتية، أو مع الأنتربول الدولي، إلا أن حضور بشار الأسد في هكذا جمع كبير من الزعماء، في ظل دور الإعلام الدولي، الذي سلط الضوء على مذكرة الإعتقال الفرنسية، كان بمثابة إخراج كبير للمؤتمر، وللدولة في الإمارات، وهذا ما سعت الإمارات لتفاديه، ويبدو أنها أوصلت رسائل لبشار الأسد بعدم حضور القمة هذه، كون هذا سيخلق نقطة سوداء في القمة المناخية الدولية.

وهذا بالتالي ما يؤكد أن جهود المنظمات السورية والدولية، حتى وإن تأخر أثرها القانوني، إلا أن الأثر هو نتيجة حتمية لعمل هذه المنظمات، التي تضع ميزان في يدها يوازن ما بين كفتيه كل من الأدلة القانونية، والإعتبارات الإنسانية، للوصول إلى إسترجاع حقوق من تم سلب حياته، حريته، وحقوقه.