تحقيق المساءلة في سوريا: القضية المتعلقة بتطبيق اتفاقية مناهضة التعذيب أمام محكمة العدل الدولية

كبَت خالل أكثر من َعقدٍ من النزاع في أيلول/سبتمبر ،2020 احت ّجت هولندا حول مسؤولية سوريا عن انتهاكا ٍت لحقوق اإلنسان ارتُ والعنف بموجب اتفاقية األمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو الالإنسانية أو ال ُمهينة. وقد  . وطيلة السنوات الثالث الماضية، اتّ الخطوات الالزمة بموجب اتفاقية انض ّمت إليها كندا في آذار/مارس 2021 خذت الدولتان 

ِّو َجت هذه المبادرة المشتركة بإجراءات مناهضة التعذيب قبل اللجوء إلى محكمة العدل الدولية. وفي 8 حزيران/يونيو ،2023 تُ قانونية اتّخذتها الدولتان ضّد سوريا أمام محكمة العدل الدولية، مع االدعاء بارتكاب مجموعة من االنتهاكات التفاقية مناهضة  التعذيب، وطلبت الدولتان من المحكمة أن تأمر باتخاذ تدابير مؤقتة.  

تتيح هذه القضية مسارا مهما في الجهود المبذولة لضمان المساءلة في سوريا، وهي حتى اآلن العملية الوحيدة المرفوعة أمام محكمة ً 

رسمية على المستوى الدولي. ومع أن محكمة العدل الدولية تَ ف ِصل فقط في النزاعات بين الدول، فإن هذه اإلجراءات ترتبط أيضاً بحماية األشخاص من التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة وبحقوقهم الفردية كضحايا. وكما أشارت كندا وهولندا في طلب  ، يهدف هذا الطلب إلى حماية حق مطالبين بامتثال سوريا اللتزاماتها، ّ التدابير المؤقتة هما كدولتين طرفين في اتفاقية مناهضة التعذيب 

أو هم على وشكتأثير حاسم يتمثل في حماية األشخاص المتواجدين في سوريا، والذين يتع رضون حالياًوسيكون ” لهذا الطلب أيضاً التع رض للتعذيب[ و ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو الالإنسانية أو ال ُمهينة.] 

اإلجراءات أمام محكمة العدل الدولية 

للمادةوفقا 30 )1( من االتفاقية، يمكن إحالة نزاع إلى محكمة العدل الدولية فقط في حال لم تتمكن الدول األطراف في تسوية النزاع ً 

عن طريق المفاوضات، وإذا لم تستطع األطراف المعنية االتفاق على عملية التحكيم، وذلك في غضون ستة أشهر بعد صدور طلب  وات تقريبا الخطوات األولية، رفعت الدولتان القضية إلى المحكمة بعد أن اعتبرت أ ّن الشروط ً التحكيم. وبعد ثالث سن من اتخاذ المذكورة قد استوفيت. 

تحقيق المساءلة في سوريا: القضية المتعلقة بتطبيق اتفاقية مناهضة التعذيب أمام محكمة العدل الدولية | تشرين األول 2023  

لمحة عامة عن القضية  

اتّ في 8 حزيران/يونيو .2023 وهي تتألف من التي ُرفِعَ خاذ اإلجراءات القانونية بدأت القضية ت أمام محكمة العدل الدولية مع 

مرحلتين: المرحلة الكتابية التي يقوم فيها األطراف بتقديم \تبادل اآلراء التي تتض ّمن إفادات بشأن الوقائع والقوانين والمرحلة الشفوية التي تشمل جلسات االستماع العامة. يتعي ن على األطراف معالجة المسألتين المتعلقتين باختصاص محكمة العدل الدولية لمراجعة القضية )أي النظر فيما إذا كانت المحكمة مخت ّصة في القضية بحسب المادة 36 من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية(؛ واألسس  الموضوعية للقضية )أي موضوع االنتهاكات المزعومة(. 

ِزماًمها في جلسة علنية. ويكون هذا ال ُحكم ُمل 

لألطراف وال يمكن االستئناف. ك أخيرا، تتداول المحكمة وتُصِدر ُح 

التدابير المؤقتة 

أن يطلب تدابير مؤقتة )المادةفي أي وقت أثناء سير اإلجراءات، يمكن ألي طرف أيضا 41 ) 1( من النظام األساسي (. ويقوم ذلك ً على المبدأ أن على األطراف االمتناع عن اتّخاذ أي خطوات تم ّس بإمكانية ح ّل النزاع. وتُعطى لطلب اتخاذ تدابير مؤقتة األولوية  

ِزمة ًعلى جميع القضايا األخرى نظرا 74 )1( من الئحة المحكمة(، وتكون التدابير التي تأمر بها المحكمة ُمل 1

لطبيعته المل ّحة )المادة 

وطلبت كندا وهولندا تدابير مؤقتة، نظرا للطابع المستمّر لالنتهاكات من جانب سوريا. ُعقدت جلسة االستماع العلنية بشأن الطلب  أمام محكمة العدل الدولية في 10 تشرين األول .2023 ولم تشارك سوريا في اإلجراءات الشفهية. والمحكمة اآلن في مرحلة  ّ المداوالت. من أجل للضحايا/الناجين بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب وحمايتها 

الحفاظ على الحقوق المستحقة , تم تقديم هذا الطلب  من قبل المتقدمين. تقدم الدولتان طلبا من الطرفان الى المحكمة، وقف االحتجاز التع ّسفي واإلفراج عن جميع األشخاص المحتجزين بشكل تع ّسفي أو غير قانوني نظرا أن األشخاص المحتجزون نظرا للخطر األكبر للتعذيب. و طلب الطرفان كذلك تدابير أخرى 

ّبالحفاظ على األدل. وترتبط التدابير المؤقتة أيضا ة التي تُستخ َدم في ً 

ًفإن ذلك ال يشكل عقبة تها

لضمان عدم تفاقم النزاع أو تمديده أو عدم زيادة صعوبته اإلجراءات المتعلقة باألسس الموضوعية.  

إذا ق ررت أحد الدول عدم المشاركة في اإلجراءات الشفوية ، أمام التدابير المؤقتة وال يؤثر على صح شروط من أجل التدابير المؤقتة 

يتعي ن استيفاء عدة شروط لكي توافق المحكمة على السماح بالتدابير المؤقتة.  

  • االختصاص األّولي 

توفر أساسا اختصاصها غير أنه ال ً 

  1. 3. في هذه القضية، تحتاج المحكمة إلى تقييم ما إذا كان هناك نزاع بين الدول الثالث  

أن تقيّم ما إذا كانت األحكام التي تعتمد عليها كندا وهولندا يندرج ضمن ِ المحكمة يجب 

يتعي ن عليها أن تقتنع بشكل نهائي 

بشأن تفسير االتفاقية أو تنفيذها )المادة 30 )1( من االتفاقية(. وقد ف ّسرت المحكمة النزاع بأنه ” خالف على نقطة قانونية  أو واقعية، أو تضارب في اآلراء أو المصالح القانونية” بين األطراف ورأت أنه يجب أن يعترض أحد األطراف بوضوح  إظهار أ ّن محاوال ٍت قد جرت للدخول في مفاوضات وأ ّن الدول 4 ُ على مطالبة الطرف اآلخر. 

وكما ذكر أعاله، يلزم أيضاً 

لم تتمكن من االتفاق على تنظيم التحكيم.  

محكمة العدل الدولية، الغراند )ألمانيا ضّد الواليات المتحدة األمريكية(، الحكم الصادر في 27 حزيران/يونيو ،2001 الفقرة .102 

محكمة العدل الدولية، األنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضّدها )نيكاراغوا ض ّد الواليات المتحدة األمريكية(، الحكم ال ادر في 27 2 ص حزيران/يونيو ،1986 الفقرة .31  

المرجع نفسه، الفقرة 24

المرجع نفسه، الفقرة 28 4

تحقيق المساءلة في سوريا: القضية المتعلقة بتطبيق اتفاقية مناهضة التعذيب أمام محكمة العدل الدولية | تشرين األول 2023  

تنظر المحكمة خالل تقييمها في أي إفادات \وثائق متبادلة بين الدول وفي عمليات التبادل التي تحصل في سياقات متعِّددة  

. وفي هذا السياق، يكفي أن تبي ن كندا أو هولندا أنّهما حاولتا التفاوض من خالل إرسال مذكرة شفوية إلى  5

 األطراف 

6

 سوريا  

  • الربط بين الحقوق والتدابير المؤقتة وشرط المعقولية 

يجوز للمحكمة أن تأمر باتّ 

المادة 41 من النظام األساسي واضح أال خاذ تدابير مؤقتة إال إذا كانت هذه التدابير “تحافظ على حقوق كل من الطرفين”. أن المحكمة تقتنع بأ ّن الحقوق ال ُمطالَب بها والمطلوب حمايتُها معقولة؛ وبأ ّن هناك  .7صلة بين الحقوق والتدابير المؤقتة المطلوبة  

وفي هذه القضية، يشير ذلك إلى الحقوق لجميع الدول األطراف في اتفاقية مناهضة التعذيب فيما يتعلق بالحصول على  امتثال األطراف األخرى لالتفاقية. ويشمل ذلك، عدم ارتكاب دولة طرف أخرى للتعذيب على أراضيها واستجابتها لحاالت  المزعومة من خالل إجراء تحقيقات كافية ومحاسبة ال ُجناة. والستيفاء شرط المعقولية، يجب أن تقتنع المحكمة بأ ّن أعمال التعذيب قد ارتُكبَت استناداًإلى األدلة المعروضة عليها. ّ 

نظرا إ ّن هدف اتفاقية مناهضة التعذيب هو منع التعذيب وأشكال سوء المعاملة وحماية األفراد، يمكن إثبات وجود الصلة  من أجل طلب اإلفراج عن األشخاص المحتجزين تع ّسفاً واألكثر عرضة لمثل هذه األفعال أو من أجل الوصول إلى مرافق  االحتجاز حيث من الممكن ارتكاب أي تعذيب.  

  • خطر إلحاق ضرر ال يمكن إصالحه والضرورة المل ّحة 

بإلحاق ضررا ال يمكن إصالحه ال يمكن للمحكمة أن تأمر باتّخاذ تدابير مؤقتة إال إذا كان هناك خطراً حقيقياً ووشيكاً 

. والضرورة المل ّحة تعني أ ّن األفعال 8 بحقوق األطراف، قبل أن تُ  صِدر المحكمة ُحكمها النهائي بشأن األسس الموضوعية  

. وتشير السوابق القضائية للمحكمة إلى أ ّن الضرر يمكن أن يكون غير قاب ٍل لإلصالح  9

 المؤدية يمكن أن تحدث في أي لحظة 

إذا كان يهِّدد حق األشخاص المعنيين في الحياة والصحة. أ ّن الطبيعة المستمّرة للتعذيب وعدم وجود ضمانات إلنهائها هما  

10 

عاملين ها مين يمكن أخذهما في االعتبار َ 

األدل ة في إجراءات محكمة العدل الدولية 

ة أمراً حاسماً ويمكن أنّوفي اإلجراءات الرئيسية لقضية خالفية وفي اإلجراءات المتعلقة بالتدابير المؤقتة، يكون استخدام األدل  تتضمن المعلومات التي يقِّدمها األطراف أو من سلطات المحكمة لتق ّصي الحقائق )مثال القيام بزيارات ميدانية أو تعيين خبراء(  

11

ة المق دمة من األطراف. ّحتى اآلن استخدمت المحكمة بشكل رئيسي األدل 

ّة ويقِّدم األطراف األدلة في المقام األول كجزء من المرحلة الكتابية من اإلجراءات. وبعد تلك المرحلة، ال يجوز ألي طرف تقديم أدل إلى المحكمة ما لم يُع ِط الطرف اآلخر موافقته على ذلك أو إذا ارتأت المحكمة أنّه من الضروري تقديم المزيد من الوثائق )المادة 

محكمة العدل الدولية، تطبيق اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها )غامبيا ضّد ميانمار(، األمر الصادر في 23 كانون الثاني/يناير ،2020 

الفقرة .22  

محكمة العدل الدولية، المسائل المتصلة بااللتزام بالمحاكمة أو التسليم )بلجيكا ضّد السنغال(، األمر الصادر في 28 أيار/مايو ،2009 الفقرة .50  

المرجع نفسه، الفقرات 56 و 57 و.61  

محكمة العدل الدولية، الحصانات والدعاوى الجنائية )غينيا االستوائية ض ّد فرنسا(، األمر الصادر في 7 كانون األول/ديسمبر ،2016 الفقرة .83  

محكمة العدل الدولية، تطبيق االتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري )أرمينيا ض ّد أذربيجان(، األمر الصادر في 22 شباط/فبراير 

،2023 الفقرة .46  

َرت الضمانات التي ق دمتها السنغال في قضية بلجيكا ض ّد السنغال عامالً هاما.ًكما هو مبين في الحاشية 7 أعاله، اعتُب 10 

ّحة على أراضي الكونغو )جمهورية الكونغو الديمقراطية ض ّد أوغندا(، األمر 11 

عي نت المحكمة فريقاً من الخبراء في محكمة العدل الدولية، األنشطة المسل 

الصادر في 12 تشرين األول/أكتوبر .2020 

تحقيق المساءلة في سوريا: القضية المتعلقة بتطبيق اتفاقية مناهضة التعذيب أمام محكمة العدل الدولية | تشرين األول 2023  

ة موا د مثل المذكرات الشفوية ومقاطعّة. وتشمل األدلّة تجيز تقديم معظم أشكال األدلّ56 من الالئحة(. القواعد العامة لمقبولية األدل فضالً 

أوغير التابعة لها. الفيديو والتسجيالت الصوتية وشهادات عن آراء الخبراء والتقارير من المنظمات التابعة لألمم المتحدة ويمكن لمنظمات المجتمع المدني، أن تقِّدم معلومات مهمة وأن تكون مخّولة لتقديم سرد مف ّصل للحقائق على أرض الواقع. ويمك ن  

دعوة المنظمات غير الحكومية للمشاركة بصفتها جهات خبيرة تقِّدم النتائج التي تو ّصلت إليها أو تقديمها إلى أطراف الدعوى.  12 

أن توفّ يمكن لوثائق هيئات األمم المتحدة، مثل لجنة التحقيق واآللية الدولية المحايدة والمستقلة، ر ثروةً من المعلومات بشأن أنماط التعذيب، بما في ذلك عن االحتجاز. المحكمة ارتأت أ ّن قيمة هذه التقارير تعتمد على عوامل منها مصدر الدليل كيف تم الحصول  

ستستخِدم األدل من لجنة التحقيق ومن اآللية الدولية المحايدة والمستقلة. ّ 

. يبدو من المر جح أ ّن المحكمة ة 13 عليها وجودة وطبيعة الدليل تداعيات القضية على المساءلة في سوريا  

هذه القضية هي األولى التي تتعلق بسوريا أمام محكمة دولية رسمية. وتهدف الى التو ّصل إلى نتائج بشأن مسؤولية سوريا كدولة  تكميلياً بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بأنماط التعذيب وسوء المعاملة التي خالل النزاع وهذه القضية تشكل للعملية التي 

مساراً 

. وتوفّ 

تر ِكز على المسؤولية الجنائية الفردية )على سبيل المثال قضايا الوالية القضائية العالمية أمام المحاكم األجنبية( ر هذه القضية ّ 

الفرصة لمعالجة الطبيعة المنهجية التعذيب في سوريا وتسلط الضوء على مجموعة التزامات الدولة بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب،  بخالف القضايا التي تقتصر على المسؤولية الفردية. باإلضافة الى ذلك, تهدف اإلجراءات القانونية إلى حماية حقوق األشخاص في  عدم التع رض للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو الالإنسانية أو ال ُمهينة.  

وفي هذا السياق فإ ّن التدابير المؤقتة التي طلبتها كندا وهولندا هي خطوة حاسمة للحفاظ على حقوق الضحايا/الناجين وحمايتها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب.  

12 انظر على سبيل المثال: محكمة العدل الدولية، القضية المتعلقة باألنشطة المسلحة على أراضي الكونغو )جمهورية الكونغو الديمقراطية ضد أوغندا(،  الحكم الصادر في 19 كانون األول/ديسمبر ،2005 الفقرة. .60 انظر أي ًضا محكمة العدل الدولية، قضية تتعلق بتطبيق اتفاقية منع اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها وجريمة اإلبادة الجماعية )البوسنة والهرسك ضد صربيا والجبل األسود(، الحكم الصادر في 26 فبراير/شباط ،2007 الفقرة. .211  13 محكمة العدل الدولية، تطبيق اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها )كرواتيا ضّد صربيا(، الحكم الصادر في 3 شباط/فبراير ،2015 الفقرة   .190